الاثنين، 20 يونيو 2011

هؤلاء الألمان الذين يتفلسفون علينا


"تمنيت، وأنا أدير عينى فى كتبى على رفوفها، لو أن هؤلاء الألمان الذين يتفلسفون علينا بما لا نفهم، بينوا لنا – أو لى أنا على الأقل – ماذا يريدون أن يقولوا. عجيب أمرهم والله! قرأت مرة لأحدهم – وأظنه "هِجل" فما أذكر الآن بعد هذا الزمن كله – كتابًا فى "فلسفة التاريخ" فخرجت منه كما دخلت، وقلت لنفسى:
إما أنى أنا حمار، وإما أن هذا الرجل لا يحسن العبارة عما فى رأسه، ولكنى أفهم عن غيره فلماذا أرانى لا أفهم عنه؟؟ وكيف يعقل أن أعجز عن فهم ما أخرجه عقل إنسان مثلى؟
وكان فى هذا الكتاب فصل عن المدنية الإسلامية أو عن تاريخ العرب – فقد نسيت – خيل إلى أنى فهمت أقله، ودارت الأيام، ووقع فى يدى كتاب لرجل أمريكى اسمه "دريبر" عن المدنية ونشوئها، يكتب كما يكتب خلق الله – لا الألمان – فإذا فيه فصل طويل عن العرب يعد تطبيقًا لنظرية هِجل التى لم أفهمها، فسألت نفسى:
لماذا لم يكتب هِجل كما يكتب هذا الرجل؟؟
ثم عدت أسألها وأتعجب:
لماذا فهم "دريبر" عن "هِجل" ولم أفهم أنا عنه؟
وأسأت الظن بنفسى واعتقدت أن بى نقصًا فى التدريب العقلى، وراجعت "هِجل" وكررت إلى هؤلاء الألمان المعوصين كرة المصمم المستميت، ولكن مضغ الجلاميد أعيانى، فنفضت يدى منهم – ومن نفسى – يائسًا، وقلت: يا هذا، لقد صدق القائل: كل ميسر لما خلق له، وأنت لم تخلق لتقرأ فلاسفة الألمان، فارجع عنهم، وانج بنفسك منهم" (المازني 1935)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق