تميز المازنى فى الفترة الأخيرة من إبداعه بنوع خاص من الرضى الممزوج بالتمرد الساكن: رضى الفاهم للدنيا والعارف بناسها. أما التمرد الساكن فأعنى به التمرد الذى لا تخالطه ضجة أو ثورة فهو يأتى بالفكرة المتمردة بلا ضجيج أو ثورة، ومن هنا كان تأثير هذه الأفكار أعمق وأوسع. وكان يدير عينيه فيما كان فيرى أنه تخطى عقبات لم يكن يطمح فى اجتيازها، وأنه صبر على أشياء كانت تبدو له فوق طاقة الإنسان، وأنه قد وصل رغم كل شئ إلى الخاتمة بنجاح، وإذا كان الزمن قد نال منه وهدّ قواه، فقد أفاده صلابة وعزما وثقة فى النفس وجرأة على الحياة والمغامرة فيها، وقد أكسبته تلك المحن الاتزان واحترام النفس، ورحبت أفقه ووسعت نفسه وعمقتها، وعرفته بالقيم الحقيقية للأشياء، وحمته من أن يسرف على نفسه وعلى الناس فشرحت صدره لهم وعلمته التسامح الذى مبعثه الفهم وصحة الإدراك، وأرضته عن الحياة فصار يتلقاها كما تجئ لأنه من العبث الاحتفال بما لا حيلة للمرء فيه، وتساوت عنده كل حالة وتعادل عنده السرور والحزن والضحك والبكاء، والفوز والخيبة (الأعمال، مج 1 مقال تأملات عابر سبيل). وما دامت الحالات قد تعادلت عنده فلماذا لا يلتمس السرور وينشد النعيم ويجتنب المنغصات والمتعبات. ومن هنا كلفه فى هذه الفترة بتتبع صور الحياة المسلية. وكان يجد سعادته فى إسعاد غيره أو إدخال السرور على نفس مظلمة. يقول: "وإنه ليسعدنى أن أتوهم أنى استطعت إسعاد غيرى ولو دقائق معدودات وقد أكون واهمًا ولكنه وهم جميل ، بل جليل، وأنه الذى يغرينى بتلمس الجوانب الفكاهية فى الحياة"( الأعمال، مج 1 كتاب قصة حياة). "(د. حيدر)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق