"كان قوام الفضائل الجنسية فى العهد السابق هو الحجاب، فهى فضائل كانت فى أمانة الحيطان الأربعة واليراقع والملاءات والحبرات، وما إلى ذلك مما يجرى مجراه. أعنى بذلك أن عماد الفضيلة كان البعد عن المغريات واجتناب التعرض لها. وإذا كانت المرأة لا تبرز للرجال والرجال لا يختلطون بالنساء فى الحياة العامة، فليس هناك ميدان مشترك، ومعنى هذا أنه لم تكن ثم فرصة - بالمعنى الصحيح - لاختبار الفضائل الجنسية ومبلغ قوتها وقدرتها على مقارنة الإغراء وثباتها على الامتحان.
وقد عصفت الأيام بهذا الحجاب فهدمت الحيطان، ونزعت البراقع، ونضت عن الأجسام هذه الملاءات وأشباهها مما كانت المرأة تلف منه فى مثل أكياس القطن، وبذلك تغير وجه الأمر، ولم يعد من الممكن أن تقاس الفضائل الجنسية فى هذا الزمان بما كانت تقاس به فى الأيام الخالية؛ لأن الحيطان الحاجزة لم تعد موجودة، والبراقع الساترة قد زالت، ولم تتغير الثياب وحدها – ولو أن هذا كل ما هناك لما أحدث كبير فرق – وإنما تغيرت العلاقة بين الرجل والمرأة؛ فصار هناك ميدان مشترك تتسع حلبته شيئًا فشيئًا على الأيام، ويتقارف فيه الجنسان ويتعارفان ويتناوشان ويتصاولان ويتجاولان ويتحاوران. وقد جاء هذا الانتقال فجأة حتى ليمكن أن يقال أنه كان طفرة أو أشبه شئ بالطفرة، وأعانت على السرعة فيه الفورة الشديدة التى حدثت فى حياة مصر وتناولت أعماقها كما تناولت سطوحها ووجودها، فكان هذا الانقلاب التام – أو الذى يكاد يكون تامًا – فى أوجز زمن" (المازني 1936)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق