كانت لى عمة يورثها الصيام ذهولاً عجيبا، وكانت إلى هذا كبيرة السن، ولكن الطفولة لا رحمة فيها ولا شفقة. وهى - أى الطفولة لا عمتى بالطبع كما لا أحتاج أن أقول - الدليل على أن الإنسان لا فاضل ولا كريم ولا شريف ولا على شئ من الخير فى الأصل، وإنما يكون كذلك بالعادة والتنشئة وبقوة العرف وبالقوانين والشرائع الزاجرة وما الى ذلك.. ولكن هذا موضوع آخر بعيد جدا عما نحن فيه الآن وقد تتاح لى فرصة أخرى فأخوض فيه معكم. وأرجع إلى عمتى إذا سمحتم فأقول أن ذهولها كان مظهره أنك إذا جلست إلى جانبها وهمست بكلمة ما - أى كلمة - أدخلتها هى فى كلامها غلطًا، فمثلا كنت أجلس إلى جانبها وأقول بصوت خفيض جدًا هكذا: "مضروبة.. مضروبة.. مضروبة.." ويخطر لها هى أن تنادى أمى مثلاً فى هذه اللحظة فتقول - هذا على سبيل المثال بالطبع –:
"يا مضروبة على عينك يا ست أم فلان".
أو يتفق أن تكون فى حديث مع خالها - وكان حيًا فى ذلك الوقت ولا احتاج أن أقول أنه كان طاعنًا فى السن - فأُسر إليها هذه الكلمة بالصوت الخافت: "كذاب.. كذاب.. كذاب.." فما يكون منها إلا أن تقول له:
"يا خالى الشيخ [يا] كذاب".
فأموت أنا من الضحك، ويحدق الشيخ الوقور فى وجهها مذهولاً من هذا الاجتراء عليه، وتنهرنى أمى وهى تكاتم الضحك وتغالبه، فأقوم أجرى وأنا أتعثر كل بضع خطوات من شدة الضحك" (المازني 1937)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق