ولعل مصر هى الوحيدة التى يزور أهلها القبور فى أعيادهم لا يستثنون من ذلك عيدًا أو موسمًا، وكل مناسبة عندهم فرصة لهذه الزيارة، وهى أصلح ما تقضى فيه مواسمهم وأعيادهم، وأحسبهم ورثوا هذه النزعة عن المصريين القدماء؛ فإنّا نراهم يقيمون على القبور بيوتا ويشيدونها كالقصور، ويؤثثونها، ويعنون بفرشها، وغرس الحدائق فيها، وتعيين الحراس والخدم والقراء عليها، ويزورونها بالطعام والفاكهة والورود والرياحين وسعف النخل، وإذا كان فقيدهم قريب عهد بالوفاة زاروه بالبواكير من الفاكهة قبل أن يطعموها فى بيوتهم ولم يستحلوا أن يذوقوها إلا بعد ذلك، وهذا كله مأخوذ عن المصريين القدماء ومقتبس منهم، ومما نقلوه أيضا أن يجعلوا القبر على شكل الغرفة، يجرون فى ذلك على عرق قديم، ولا دخل للدين فى هذا، وإنما هو مزاج موروث، وعسى أن يكون مما تحمل عليه طبيعة هذا البلد، ولا عجب فإن مصر هى أول من فكر فى الآخرة والروح وعنى بأمرهما، وجعل هذه الحياة الدنيا أشبه بالمقدمة لتلك التى تليها وراء أستار الغيب. (المازني 1934)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق