"أعارنى صديقى الأستاذ العقاد يومًا قصة "تاييس" لأناتول فرانس فقراتها بلهفة فقد استطاع المترجم الإنجليزى أن يحتفظ بقوة الأسلوب وتحدره وبراعة العبارة وسحرها. ومضت بضعة شهور ثم دفع إلى الأستاذ العقاد رواية "هايبيثيا" للكاتب الإنجليزى "تشارلز كنجزلزى" فقرأتها أيضًا، ثم سألنى: ما رأيك؟ قلت: غريب. قال: إن الروايتين شىء واحد. قلت: صحيح.
والواقع إن الروايتين شىء واحد وأن تاييس مأخوذة من هايبيثيا بلا أدنى شك. وفى وسع من شاء أن يقول إن أناتول فرانس ما كان يستطيع أن يكتب - أو ما كان يخطر له أن يكتب روايته لو لم يسبقه تشارلز كنجزلزى إلى الموضوع. ذلك أن تاييس فى رواية أناتول فرانس هى هايبيثيا فى روايه كنجزلزى. والعصر هو العصر والبلاد هى البلاد، وكل ما هنالك من الاختلاف هو أن أناتول فرانس أستاذ فنان، وأن تشارلز كنجزلزى أستاذ مؤرخ، وأنا مع ذلك أفضل رواية هايبيثيا وأراها أكبر وأعمق وأملأ للنفس وأمتع للعقل، فما لأناتول فرانس فى تاييس غير براعة الأسلوب وحلاوة الفن، ولكن الصور فى رواية هايبيثيا أتم وأصدق، والشخصيات أكثر ورسمها اقوى وأوفى والموضوع أحفل. وفى وسعى أن أقول بلا مبالغة إنها تعرض عليك عالمًا تامًا لا ينقصه جانب واحد من الجوانب، أما تاييس فليست سوى لمحة خاطفة من هذا العالم.
وتشارلز كنجزلزى يرسم لك الحياة فى تلك الفترة من تاريخ مصر بكل ما أنطوت عليه ويريك الناس والأشياء والعادات والأخلاق والآراء والفلسفات الشائعة والفردية بدقة وأمانة، أما أناتول فرانس فيرسم لك بقلمه البارع خطوطًا سريعة تريك ما وقع فى نفسه من ذلك العصر، فهو أشبه بالمصورين الذين يجرون على طريقة الامبرشنزم أى الذين يصورون وقع المناظر فى النفس لا المناظر كما هى فى الحقيقة والواقع" (المازني 1937)