"كان التحرج شديدًا فى الجيل الماضى من ذكر الحب والاعتراف به أو المجاهرة به، لأن التقاليد كانت صارمة وكان لها معين من الدين لا يستهان به، وكانت الجماعة تنزع إلى الاحتشام. وكانت قاعدة الحياة من هذه الناحية المثل المشهور "إذا بليتم فاستتروا" فكانت معاقرة الخمر علي قارعة الطريق ممنوعة لا بحكم القانون بل بقضاء العرف، وكان الشبان مثلاً يستحيون أن يجلسوا فى القهوات، وكان النساء يتحجبن ويحرصن على ستر زينتهن، ولم يكن اتصال شاب بفتاة من الهينات، ثم جاءت الحرب فرجت الدنيا، وزلزلت قواعد الحياة فيها، وانتشر التعليم، وشاع الاطلاع على الآراء الحديثة فى الأمور الجنسية، وهدمت الهبة القومية المصرية حواجز كثيرة وفى جملتها ما كان يفصل الجنسين ويفرق بينهما، وصار الناس -شيئًا فشيئًا - يلهجون بذكر الحب ويتناولونه فى مجالسهم وفى كتاباتهم تناولاً هو أقرب ما يكون إلى البحث العلمى، ولم يعد الشبان- بسبب نشأتهم والجو الجديد المحيط بهم ينظرون إلى الحب وما يتعلق به كما كان آباؤهم يفعلون أو يرون فى الأمر موجبًا للحماسة أو داعيًا للخجل أو باعثًا على الاستحياء. وجاء التطور الاجتماعى ولا سيما فيما يتعلق بإمكان ضبط النسل هادمًا لحاجز منيع بين الرجل والمراة. وفى الأمثال إن الشجرة تعرف من ثمارها؛ فإذا لم تكن ثم ثمرة فأين الشجرة؟ وضعف العرف وتفككت قيوده وحصل التمرد عليه فى سبيل الحرية كما حصل التمرد على كل قيد آخر. ومن أخطار الحرية فى بادىء الأمر أن الناس يطلبون الحقوق وينسون الواجبات التى تقابل الحقوق. والتوازن لا يعود إلا ببطء وبعد التحارب الطويلة والمعاناة المرة والدروس العملية الأليمة. وبذلك فقد الحب الهالة التى كانت حوله وسلب القداسة القديمة، وصار على الأيام أمرًا عاديًا، وهوى إلى مرتبة الرقص والألعاب الرياضية، لأن وطأة العرف والتقاليد ضعفت وخفت جدًا حتى ليمكن أن يقال أنها غير محسوسة فى الأغلب والأعم. وفى مثل هذه الأحوال التى يعظم فيها الترخص والتسامح يندر الحب القوى العميق الطويل العمر" (المازني 1937)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق